فصل: شروح المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الم غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} (الروم: 1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية في قوله تعالى: {غلبت الروم في أدنى الأرض}.

بقلم: د. زغلول النجار.
هذه الآيات القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة الروم، وهي سورة مكية يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة، شأنها في ذلك شأن كل القرآن المكي.
ومن قضايا العقيدة الأساسية الإيمان بوحدانية الخالق سبحانه وتعالى، وبوحدة الرسالة، ووحدة الخلق، والإيمان بالآخرة وأهوالها، ومنها هول البعث، وهول الحساب، وهول الميزان، وهول الصراط، وحتمية الجزاء، وحتمية الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا.!!
وقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات ألا وهو انتصار الروم علي الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات. وتزخر السورة بالأمر بتسبيح الله، وتنزيهه وحمده، وبالاستشهاد بعدد كبير من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة قدرته وشمول علمه، وعدل قضائه.!! وتنصح السورة النبي والرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم بأن يقيم وجهه لدين الإسلام الحنيف، الذي لا يرتضي ربنا تبارك وتعالى من عباده دينا سواه، لأنه دين الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، والتي لا تبديل لها، وإن كان أكثر الناس لا يعلمون ذلك، وتأمر المسلمين بالإنابة إلي الله وتقواه، كما تأمرهم بإقام الصلاة، وبالحذر من الوقوع في دنس الشرك بالله، لأن الذين أشركوا قد فرقوا دينهم، وكانوا شيعا عديدة حسب أهوائهم، وكل حزب منهم فرح بما لديه.!!!
وتحدثت السورة الكريمة عن شيء من التقلب في طبائع النفس البشرية، والذي لا تستقيم معه الحياة السوية، مثل اللجوء إلي الله تعالى في الشدة، والإعراض عنه في الرخاء، والإيمان به تعالى في لحظات الضيق، والشرك أو الكفر به تعالى وبما أنزل في لحظات السعة والرحمة، وتضرب السورة مثلا للناس من حياتهم علي سخافة فكرة الشرك بالله إذا ناقشها العقل بشيء من الموضوعية والحيدة. ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها السورة الكريمة: الأمر بإخراج الزكاة وإيتاء ذي القربى، والمساكين وأبناء السبيل، والنهي عن أكل الربا، علي أن ينطلق ذلك كله من الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق، الرزاق، المحيي، المميت، وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس وما كسبت أيديهم، وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من سير الأولين، ومصائر الظالمين.
وتؤكد السورة مرة ثانية لخاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم ضرورة الاستقامة علي الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزي كل بعمله. ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم علي طلاقة القدرة الإلهية: خلق السماوات والأرض، وخلق الأحياء، وخلق الإنسان، كل ذلك في زوجية تشهد للخالق وحده سبحانه بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه، ومنها اختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وإعطاء الإنسان الاستطاعة علي النوم بالليل أو في النهار، وعلي ابتغاء فضل الله، ومن آياته الرعد والبرق، وإنزال المطر، وإحياء الأرض بعد موتها، وقيام السماوات والأرض بأمره، وخضوع كل من فيها أو عليها بأمره، وبعث الموتى بأمره، وأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض.
ومن آياته إرسال الرياح برحمة منه وفضل، وجري الفلك بأمره، وإثارة السحاب، وما يستتبعه من أحداث بأمره، ومرور كل حي بمراحل من الضعف، ثم القوة، ثم الضعف والوفاة، ومن آياته أنه يحيي الموتى وأنه علي كل شيء قدير.!! وتذكر السورة خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين، وما أصاب أقوامهم من انتقام من الظالمين، ونصر للمؤمنين، كما تذكره صلوات الله وسلامه عليه بأن ما عليه إلا البلاغ.
وتختتم السورة الكريمة مرة أخري بالحديث عن البعث وأهواله، وعن مصير أهل الكفر والشرك والضلال في هذا اليوم العصيب، ومصير أهل الإيمان والتقوى، وتكرر الإشارة إلي شيء من طبائع النفس البشرية، وقد ضربت لها آيات القرآن الكريم من كل مثل، ولكن الذين كفروا لا يؤمنون، فالله تعالى قد طبع علي قلوب الذين لا يعلمون. وتنتهي السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم بوصية من الله تعالى له بالصبر علي استخفاف الكفار والمشركين بدعوته، والاطمئنان بأن وعد الله حق، وهو واقع لا محالة.!!
والآيات الكونية الواردة في سورة الروم تحتاج إلي مجلدات لتفصيل دلالاتها، ولإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها، ولكني سأقتصر في هذا المقال علي الإشارة القرآنية إلي الموقع الذي هزمت فيه جيوش الروم علي أيدي جيوش الفرس بالتعبير: أدني الأرض، وقبل الدخول في ذلك لابد من عرض الدلالة اللغوية لهذا التعبير ولأقوال المفسرين فيه.

.أدني الأرض في اللغة العربية:

يقال في اللغة: دنا يدنو دنوا بمعني قرب بالذات أو بالحكم، ويستعمل في المكان، والزمان، والمنزلة، كما يعدي فيقال أدني يدني أدناءة، ويقال: دانيت أو أدنيت بين الأمرين أي قاربت بينهما، حتي صارت بينهما دناوة أي: قرب أو قرابة. والدني القريب، والدنئ بمعني الدون، الخسيس، وقد دنأ يدنأ وفيهما دناءة ويقال: دنؤ بمعني انحط، والدنيئة هي النقيصة. قال تعالى: {ومن النخل من طلعها قنوان دانية} [الأنعام: 99].
وقال سبحانه: {ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني}. [النجم: 8- 9]. وفي الحديث الشريف: إذا أكلتم فادنوا أي كلوا مما يليكم. ويعبر بالأدني تارة عن الأقرب فيقابل بالأبعد أو الأقصي من مثل قوله تعالى: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوي. [الأنفال: 42].
وتارة ثانية يعبر بها عن الأخفض أو الأحقر فيقابل بالأعلي أو الأعز وذلك من مثل قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين} الأحزاب: 59.
وتارة ثالثة تأتي بمعني الأقل في مقابل الأكثر، من مثل قوله تعالى: {ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم} [المجادلة: 7] وتارة رابعة يعبر بها عن الأرذل فيقابل بالذي هو خير، وذلك من مثل قوله تعالى: {قال أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير} البقرة: 61.
وتارة خامسة يعبر بها عن الأولي الدنيا في مقابلة الآخرة وذلك من مثل قوله تعالى: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}. آل عمران: 152.
وسميت الدنيا بهذا الاسم لدنوها، والجمع الدنا وأصله الدنو فحذفت الواو لاجتماع الساكنين، والنسبة إليها دنياي وقيل دنيوي ودني، ويقال: تدني فلان أي دنا قليلا قليلا، وتدني المستوي بمعني هبط، وتدانوا أي دنا بعضهم من بعض.

.شروح المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الم غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} [الروم: 1- 5]:

ذكر ابن كثير يرحمه الله قول ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس علي الروم لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم علي فارس، لأنهم كانوا من أهل الكتاب، فذكر ذلك لأبي بكر رضي الله عنه، فذكره أبو بكر لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أما إنهم سيغلبون» فذكره أبو بكر للمشركين، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: «ألا جعلتها إلي دون العشر»، ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله تعالى: {ألم غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}.
وأضاف ابن كثير عدة روايات أخري للحديث عن كل من مسروق، وابن مسعود، وعكرمة رضي الله عنهم أجمعين في المعني نفسه، وزاد قوله: وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم، ويقال لهم بنو الأصفر، وكانوا علي دين اليونان؛ واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك، وكانوا يعبدون الكواكب السيارة، وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها، فكان الروم علي دينهم إلي بعد مبعث المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة سنة، وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له قيصر فكان أول من دخل في دين النصاري من الروم قسطنطين؛ وأمه مريم الهيلانية من أرض حران وكانت قد تنصرت قبله فدعته إلي دينها. واستمروا علي النصرانية، كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتي كان آخرهم هرقل. فناوأه كسري ملك الفرس، وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر، وكانوا مجوسا يعبدون النار، فتقدم عن عكرمة رضي الله عنه أنه قال: بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه، والمشهور أن كسري غزاه بنفسه في بلاده فقهره، وكسره وقصره حتي لم يبق معه سوي مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتي ضاقت عليه، ولم يقدر كسري علي فتح البلدة، ولا أمكنه ذلك لحصانتها، لأن نصفها من ناحية البر، ونصفها الآخر من ناحية البحر، فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هناك، ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع، فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلي التسع.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين يرحمهما الله كلاما موجزا في المعني نفسه، وأضافا تعليقا علي التعبير القرآني في أدني الأرض أن المقصود به: أقرب أرض الروم إلي فارس بالجزيرة، التقي فيها الجيشان، والبادي بالغزو هم الفرس. وجاء في الظلال رحم الله كاتبها رحمة واسعة ما نصه:
ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين. وأضاف رواية عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مؤكدا أن هذا الحادث قد وردت فيه روايات كثيرة، تتفق كلها في المعني والدلالة، وتختلف في الألفاظ وطرائق التعبير. وجمع الكاتب رحمه الله من هذه الآيات القرآنية الكريمة عددا من الإيحاءات منها: الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان؛ ومنها الثقة المطلقة في وعد الله كما تبدو في قولة أبي بكر رضي الله عنه في غير تلعثم ولا تردد، والمشركون يعجبون من قول صاحبه، فما يزيد علي أن يقول: صدق، ويراهنونه فيراهن وهو واثق، ثم يتحقق وعد الله، في الأجل الذي حدده: في بضع سنين.
والإيحاء الثالث وهو المسارعة برد الأمر كله لله، في هذا الحادث وفي سواه، وتقرير هذه الحقيقة الكلية، لتكون ميزان الموقف، وميزان كل موقف، فالنصر والهزيمة، وظهور الدول ودثورها، وقوتها وضعفها، شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال، مرده كله إلي الله. وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه: احتربت الفرس والروم فيما بين أذرعات وبصري من أرض الروم يومئذ، وهما أقرب أراضيها بالنسبة إلي مكة، وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بست. فظهر الفرس علي الروم، فلما بلغ الخبر مكة شق علي المؤمنين، لأن الفرس مجوس لا يدينون بكتاب، والروم أهل كتاب؛ وفرح المشركون وقالوا: أنتم والنصاري أهل كتاب، ونحن والفرس أميون، وقد ظهر إخواننا علي إخوانكم، ولنظهرن نحن عليكم، فنزلت الآية وفيها: أن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين. والبضع: ما بين الثلاث إلي التسع وغلبهم كونهم مغلوبين.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: غلبت فارس الروم في أقرب الأرض من العرب، وهي أطراف الشام، وهم بعد انهزامهم سيغلبون الفرس، قبل أن تمضي تسع سنوات. وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس، وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التي هي من أهل الكتاب. وقد حقق الله وعده فانتصر الروم علي فارس في الأجل الذي سماه، فكان ذلك آية بينة علي صدق محمد صلي الله عليه وسلم في دعواه وصحة ما جاء به. وجاء في الهامش التعليق التالي: في هذه الآيات الشريفة إشارة إلي حدثين: كان أولهما قد وقع بالفعل، وأما الثاني فلم يكن قد وقع بعد، وهو إخبار عن الغيب. وحدد لوقوعه بضع سنين فيما بين الثلاث والتسع.
وتفصيل الحدث الأول أن الفرس والبيزنطيين قد اشتبكوا في معركة في بلاد الشام علي أيام خسرو أبرويز أو خسرو الثاني عاهل الفرس المعروف عند العرب بكسري. وهيراكليوس الصغير الإمبراطور الروماني المعروف عند العرب بهرقل؛ ففي عام 614 م استولي الفرس علي أنطاكية أكبر المدن في الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الرومانية، ثم علي دمشق، وحاصروا مدينة بيت المقدس إلي أن سقطت في أيديهم وأحرقوها ونهبوا السكان وأخذوا يذبحونهم. وتفصيل الحدث الثاني أن هرقل قيصر الروم الذي مني جيشه بالهزيمة لم يفقد الأمل في النصر، ولهذا أخذ يعد نفسه لمعركة تمحو عار الهزيمة، حتي إذا كان عام 622 الميلادي أي العام الهجري الأول أرغم الفرس علي خوض معركة علي أرض أرمينيا وكان النصر حليف الروم، وهذا النصر كان فاتحة انتصارات الروم علي الفرس. فتحققت بشري القرآن.
وثمة حدث ثالث يفهم من سياق هذه الآيات الشريفة كان مبعث فرح المسلمين وهو انتصارهم علي مشركي قريش في غزوة بدر التي وقعت في يوم الجمعة 17 رمضان من العام الثاني الهجري أي سنة 624 م. وجاء في صفوة التفاسير ما نصه: غلبت الروم في أدني الأرض أي هزم جيش الروم في أقرب أرضهم إلي فارس وهم من بعد غلبهم سيغلبون أي وهم من بعد انهزامهم وغلبة فارس لهم سيغلبون الفرس، وينتصرون عليهم في بضع سنين أي في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام؛ والبضع ما بين الثلاث والتسع.
وأشار صاحب صفوة التفاسير جزاه الله خيرا إلي أقوال المفسرين السابقين وعلق علي قوله تعالى: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين} ما نصه: وقد التقي الجيشان في السنة السابعة من الحرب، وغلبت الروم فارس وهزمتهم، وفرح المسلمون بذلك؛ قال أبو السعود: وهذه الآيات من البينات الباهرة، الشاهدة بصحة النبوة، وكون القرآن من عند الله عز وجل حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله العليم الخبير، ووقع كما أخبر، وقال البيضاوي: والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب. وأضاف صاحب صفوة التفاسير في شرح قول الحق تبارك وتعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} ما نصه: وقد صادف ذلك اليوم يوم غزوة بدر؛ قال ابن عباس: كان يوم بدر هزيمة عبدة الأوثان، وعبدة النيران.
ويوم بدر وقع في السنة الثانية من الهجرة الموافق سنة 624 م، وعلي ذلك فإن هزيمة الروم علي أيدي الفرس لابد وأنها كانت قد وقعت في حدود سنة 614 م إلي 615 م. وجاء في أطلس تاريخ الإسلام على واضعه رحمة الله ما نصه: وعندما تولي هرقل عرش الروم سنة 610 م وهي سنة البعثة المحمدية كان الفرس قد اجتاحوا بلاد الشام ومصر وهزموا البيزنطيين سنة 613 م عند أنطاكية، واستولوا علي فلسطين والقدس سنة 614 م، وغزوا مصر ودخلوا الإسكندرية سنة 618 م أو 619 م، وبعد أن أقام هرقل دولته بدأ قتال الفرس سنة 622 م، وفي سنة 627 م أنزل بهم هزيمة قاصمة قرب نينوي، واسترد منهم أراضي الدولة البيزنطية في أرمينيا والشام وفلسطين ومصر، وفي سنة 630 م استعاد بيت المقدس.
ومن استقراء كل هذه التواريخ السابقة يتضح أن هزيمة الروم الحقيقية علي أيدي جيوش الفرس كانت في حدود سنة 614 م إلي 615 م، وأن استعادتهم النصر علي الفرس كانت في حدود سنة 624 م، واستمر تقدم الروم علي أرض الفرس حتي تم لهم استعادة بيت المقدس. وواضح من شروح المفسرين أن المقصود بالتعبير القرآني في أدني الأرض الذي يصف أرض المعركة التي تمت فيها هزيمة الروم أمام جحافل جيش الفرس هو أقرب الأرض إلي مكة المكرمة أو إلي الجزيرة العربية أو إلي أرض الفرس. ولكن الدراسات الحديثة تؤكد أن منطقة حوض البحرالميت، بالاضافة إلي كونها أقرب الأراضي التي كان الروم يحتلونها إلي الجزيرة العربية هي أيضا أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا، حيث يصل منسوب سطح الأرض فيها إلي حوالي الأربعمائة متر تحت متوسط مستوي سطح البحر، وان هذه المنطقة كانت من مناطق الصراع بين امبراطوريتي الفرس والروم، وأن المعركة الحاسمة التي أظهرت جيوش الفرس علي جيوش امبراطورية روما الشرقية الامبراطورية البيزنطية لابد أنها وقعت في حوض البحرالميت، وان الوصف بأدني الأرض هنا كما يعني أقربها للجزيرة العربية، يعني ايضا أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضا، وهذه الاشارة القرآنية العابرة تعتبر من السبق العلمي في كتاب الله، لأن أحدا لم يكن يعلم هذه الحقيقة في زمن الوحي بالقرآن الكريم، ولا لقرون متطاولة من بعده.